يعد الشباب بطاقاتهم غير المحدودة المحرك الأكبر لعجلة الإبداع والإنتاج والتنمية في المجتمع. ومما يدعم خطط استثمار طاقات الشباب في المملكة العربية السعودية طبيعة التركيبة السكانية للمملكة التي تشير إلى أن 67% من السكان هم من فئة الشباب والأطفال؛ أي ما يزيد على ثلثي المجتمع السعودي، بينما مثَلت الفئة العمرية (15-34) ما نسبته 36.7% من المجتمع.
ومن المتوقع أن يتزايد النمو في أعداد الشباب ضمن الفئة العمرية (15-24) في الفترة (2020-2030) لتشكل ما نسبته 25.2% من مجموع سكان المملكة العربية السعودية.
ومن هذه المعطيات، واعتمادًا على ما ورد في تقرير الهيئة العامة للإحصاء (2020)، وكذلك ما صدر عن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية؛ يمكن أن نطلق على المجتمع السعودي صفة المجتمع الشاب.
جاءت رؤية المملكة 2030 متسقة مع طبيعة التركيبة السكانية، حيث أولت هذه الرؤية عناية واضحة بهذه الفئة العمرية، ويتضح ذلك جليًا من خلال الأهداف الاستراتيجية للرؤية، ونذكر منها الهدف (15) في برنامج تنمية القدرات البشرية، والذي يتمحور حول تحسين جاهزية الشباب لدخول سوق العمل، وكذلك الهدف (16) في برنامج تنمية القدرات البشرية والذي يتمحور حول تعزيز ودعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال. وفي هذا المجال، حققت المملكة العربية السعودية إنجازات كبيرة؛ حيث شهدت منظومة البحث والتطوير والابتكار قفزات نوعية في عدد المنشورات البحثية، وكذلك بذلت المملكة العربية السعودية جهودًا بارزة في سبيل تعزيز الشراكات البحثية العالمية، إلى أن حققت المملكة المركز الرابع عشر عالميًا في عدد الأبحاث المنشورة الخاصة بجائحة كورونا.
وفي ظل هذه البيئة الوطنية الداعمة للشباب وابداعاته؛ يتعين على الوالدين العمل على رعاية وتنشئة أولادهم ضمن هذه الفئة العمرية (فئة الشباب)، والعمل على إيجاد بيئة تحفيزية داعمة تنطلق من المنزل أولًا كمولد وحاضن رئيس للطاقات الإبداعية، مع محاولة الوالدين اكتشاف مواهب أولادهم، وكذلك مساعدتهم على اكتشاف مكامن الشغف لديهم، وبعدها يقوم الوالدان بتوجيه تلك المواهب ورعايتها. ولو افترضنا أن الرعاية الوالدية للموهبة تتكون من مرحلتين أساسيتين، هما: المرحلة الأولى وتمثل التهيئة التي يتم فيها العمل على إيجاد بيئة تتولد فيها الأفكار الإبداعية من خلال حث وتشجيع الشباب على البحث في الشبكة العنكبوتية، وكذلك تشجيعهم على القراءة في مجالات اهتماماتهم العلمية كافة؛ مما يفتح لهم آفاقًا متشعبة يتعرفون من خلالها على أحدث ما توصل إليه العلم من اختراعات وابتكارات، وبناء على هذه القراءة يتم تحديد واكتشاف مجال الشغف والاهتمام لديهم، ومن هنا تكون نقطة الانطلاق لحل مشاكل موجودة أو التنبؤ بمشاكل مستقبلية قد تحدث والعمل على حلها أو التفكير بحلول لها. ومن ثم تأتي المرحلة الثانية التي تمثل التقويم والتوجيه، وفيها يتم تقييم الموهبة بإشراف ورعاية الوالدين. وتتضمن هذه المرحلة مرحلتين فرعيتين هما: المرحلة الأولى، وفيها يتم التصنيف وفق نوع الموهبة؛ أهي اختراع، أم موهبة فنية بشتى أنماطها، أم ابتكار تطبيقات الكترونية، أم تأليف كتب، أم بحث علمي، وغيرها.
وبناء على هذا التصنيف يتم التعامل مع الموهبة وفق أسس معينة. فعلى سبيل المثال، لو كان التصنيف ضمن مجال الاختراعات، يتوقع أن يساعد الوالدان أولادهما ويوجهانهم للتأكد من أصالة الفكرة من خلال البحث في الشبكة العنكبوتية عن فكرة الاختراع، وبعد التأكد من كون الفكرة جديدة بتوظيف البحث الذاتي؛ يفضل الانتقال الى الخطوة التالية وهي التأكد من أصالة الفكرة وجدتها من خلال خدمة متخصصة هي البحث المبدئي التي تقدمها مكاتب براءات الاختراع. وتساعد هذه الخدمة المخترع في التأكد من أنه على المسار الصحيح؛ أي أن الاختراع جديد ولم يسبق لأحد التطرق إليه أو تم النشر عنه في قواعد بيانات البراءات العالمية. بعد ذلك يتم صياغة طلب الحصول على براءة الاختراع وفق معايير معينة يضعها مكتب البراءات، وتتم عملية الصياغة هذه إما ذاتيًا أو عن طريق الاستعانة بمتخصصين في هذا المجال (باحث متخصص بالبراءات، أو مكتب محاماة مثلًا). بعد ذلك يتم إيداع الطلب في مكتب براءة الاختراع الذي يفحص الطلب ويعطي النتيجة بناءً على عملية الفحص الموضوعي.
أما المرحلة الفرعية الثانية للتقويم والتوجيه، فهي التصنيف وفق الفئة العمرية للأولاد. وبناءً على الفئة العمرية يتم تحديد الاتجاه؛ فإن كان الابن أو الابنة في المرحلة الثانوية أو ما قبلها، فيتم توجيهه إلى مؤسسة موهبة لرعاية موهبته، أما إذا كان الابن أو الابنة في المرحلة الجامعية فيتم التعامل مع موهبته من خلال مراكز الابتكار ورعاية الموهبة في الجامعات التي تقدم له/لها الخدمة اللازمة من خلال الدعم والإرشاد والمتابعة والرعاية ليختار التوجه الصحيح الذي يضمن الاستفادة المثلى من موهبته/موهبتها بحيث يتم تقويمها وتوجيهها ورعايتها وتنميتها.
ومما عرض، يتبين الدور الأساسي للوالدين في رعاية مواهب أولادهما والعناية بها، والاستثمار بهم وبقدراتهم الذهنية التي تشكل رأس المال الحقيقي للوطن.