نسخة تجريبية. للعودة إلى الموقع السابق، اضغط هنا
د. عبدالله بن محمد الجغيمان
الموهبة
16
رغم أنني من المختصين في مناهج وطرق تدريس الموهوبين إلا أنني كثيرا ما أقف عاجزا عن الإجابة بوضوح عن سؤال حول من الموهوب؟ هذا السؤال وإن كان يبدو منذ أول وهلة أنه بدهي يمكن الإجابة عنه بعفوية ودون حاجة إلى تفكير متعمق خاصة ممن يفترض أنه مختص في هذا المجال، إلا أنني أجده من أكثر الأسئلة تعقيدا. مصدر هذا التعقيد أن الإجابة عنه ليست واحدة، وتعتمد في أحيان كثيرة على نوعية السائل والهدف من السؤال. ومن جهة أخرى من المثبت علميا أن الخصائص النفسية، الاجتماعية، الشخصية، والعقلية للموهوبين غير محددة، ومتداخلة، ولا يمكن أن توجد كلها في أفراد محددين يفوزون بلقب الموهبة (Aljughaiman, 2002) هذا لا يعني أن تمييز الموهوب أمر لا يمكن حدوثه، ولكن أقول: إن الأمر ليس بالسهولة التي يتصورها كثير من الناس. إن الاتجاهات الحديثة في النظر إلى الموهبة على أنها سلوك وليست خاصية مطلقة يتمتع بها فرد بعينة. وبمعنى أدق، من الأفضل تربويا الحديث عن سلوك بعينه على أنه دلالة على موهبة في مجال محدد بدلا من وصف الإنسان ذاته بأنه موهوب أو غير ذلك. ولعلي في هذا المقال أن أتحدث فقط وبشيء من الإيجاز عن أبرز الأسس النظرية للموهبة، وأترك الحديث عن بعض الصفات الشخصية والنفسية والعقلية التي تم رصدها، ووجد كثرة تكررها لدى كثير ممن أظهر سلوكا يتسم بالموهبة في مقالات أخرى إن شاء الله تعالى.
ضبابية في التعريف أم تركيبة تحتاج إلى دقة هناك أسس ونظريات حديثة تم التوصل إليها من قبل باحثين في مجال الموهبة والتفوق العقلي تلبية للحاجة الملحة لتغطية العجز والقصور في تمييز الموهوبين عن غيرهم الناتج عن الاقتصار على استخدام المقاييس والاختبارات الموضوعية مثل اختبارات الذكاء والإبداع والقدرات. هذه النظريات قد لا تعطي إجابة محددة حول وجود مستوى عال من الموهبة من عدمه، ولكن تعطي إطارا عمليا وقواعد أساسية يتم من خلالها فهم كنه الموهبة وأنواعها وتقسيماتها على سبيل العموم لا الخصوص وفي ضوء خطوط عريضة دون تفصيل. ولعلي أستهل بنظرية رنزولي (Renzulli, 1986) التي ظهرت إلى الوجود من قبل رنزولي وفريق البحث التابع له بعد دراسات طويلة لأعداد كبيرة من الأفراد ذوي الإسهامات الإيجابية العميقة في المجتمع. هذه النظرية تم تسميتها بـ أنموذج الحلقات الثلاث والتي تعد نقلة نوعية في مجال تمييز الموهوبين وبالتالي نقلة نوعية لنوع البرامج التي يمكن تقديمها لهم. هذه النظرية تفترض أن السلوك الذي يتسم بالموهبة هو نتيجة لتوفر ثلاث خصائص لدى الفرد. هذه الخصائص هي: قدرات فوق المتوسط في مجال محدد (Above average Ability) ، مستوى عال من الإبداع (Creativity)، ومستوى عال من الإصرار والالتزام لأداء عمل محدد (Task Commitment/Motivation). الأفراد الذين يظهرون سلوكا يتسم بالموهبة عادة ما تكون لديهم القدرة على الجمع بين هذه الخصائص الثلاث وتفعيلها للخروج بنتيجة مبهرة في أحد المجالات النافعة للبشرية.
هذا التصور لطبيعة الموهبة ينقل النظرة إليها من أنها هبة عقلية أو جسمية يتميز بها أفراد محدودون قادرون بفضل هذه الموهبة على تحقيق النجاحات المناسبة لقدراتهم إلى أن الموهبة عقلية كانت أم جسمية بحاجة إلى رعاية واهتمام خاص ليتم استثمارها بصورة صحيحة إلى أقصى درجة ممكنة. فوجود قدرات عالية في مجال بعينة لا يكفي لتحقيق التميز، فلابد من وجود قدرات إبداعية يمكن تطويرها من خلال برامج تنمية التفكير والإبداع. إضافة إلى ذلك، يمكن للمربي ذي الخبرة الجيدة أن يحافظ على الدافع للعمل والإنجاز عاليا. ولعل من أهم ما يمكن الخروج به من هذه النظرية أن هناك تلاميذ في صفوفنا الدراسية وأطفال في بيوتاتنا ينظر إليهم على أنهم ذوو قدرات محدودة أو إنجازات لا تذكر هم في الحقيقة أصحاب مواهب متعددة ينقصها لمسات من مرب ناضج ليخرج بهذه المواهب إلى الوجود لتنطلق فتضيء سماء الأمة بإنجازات لا يمكن حصرها.
هل استفدت من المعلومات المقدمة في هذه الصفحة؟
زوار أعجبوا بمحتوى الصفحة