نحو برامج شاملة في رعاية الموهوبين: تجربة هونغ كونغ

89689879

موهبة

الموهبة

12

​​​​تشير العديد من التقارير والدراسات العلمية بأن غالبية الطلبة الموهوبين يقضون أوقاتهم في الفصول العادية، ونظراً لإختلاف إحتياجاتهم عما هو متوفر في الفصول العادية، فهم في حاجة إلى معلمين مدركين لتلك الاحتياجات الخاصة مع القدرة على تلبيتها. لذا كان من المهم للأنظمة التعليمية أن توفر للمعلمين برامج تطوير شاملة تلبي طبيعة واحتياجات الطلاب الموهوبين وتصميم المناهج لتلبية تلك الإحتياجات. لذا قد يشمل التطوير المهني خيارات متنوعة مثل الدراسة الجامعية، والمؤتمرات المهنية، وورش العمل، والتعلم عن بعد. كما تشمل موضوعات التطوير المهني مجموعة من الموضوعات  ومنها:

  • • خصائص الطلاب الموهوبين
  • • طبيعة وإحتياجات الطلاب الموهوبين.
  • • تمايز المنهج.
  • • إستراتيجيات التسريع الفعالة.
  • • إستراتيجيات تعليمية قائمة على الأدلة.
  • • الإحتياجات الاجتماعية والعاطفية للطلبة الموهوبين.

وبالنظر إلى التجارب الدولية في التطوير المهني للمعلمين في مجال الموهبة نجد أنه لا يوجد نموذج متفق عليه وشامل لتلك البرامج. فقد تنوعت ما بين الشهادات العلمية، والدورات القصيرة، والتعلم الذاتي، وحضور المؤتمرات واللقاءات العلمية والمهنية، وغيرها. كما إعتمدت بعض الدول معايير محددة لبرامج التطوير المهني في مجال الموهبة كما هو موجود في الولايات المتحدة الأمريكية. لذا فهناك حاجة ماسة لبرنامج تطوير مهني شامل يهدف إلى تحسين معرفة المعلمين ومواقفهم تجاه تعليم الموهوبين، والإستراتيجيات التعليمية المناسبة لهؤلاء الطلبة.

 

وقد تكون تجربة هونغ كونغ أكثر تلك التجارب شمولية حيث ركزت على مجموعة من العناصر منها (المعرفة العلمية، والإتجاهات، والممارسة التطبيقية، والتعاون، وفعالية الهدف في تعليم الموهوبين)، ففي العام 2016، تم إطلاق مشروع  Giftedness to Flourishing Talents (GIFT)للترويج لتعليم الموهوبين في المدارس في هونغ كونغ. حيث تم تمويله من قبل صندوق هونغ كونغ جوكي كلوب الخيري. وتم تصميم المشروع لمساعدة المدارس المحلية على: (أ) تطوير سياسة تعليم الموهوبين الخاصة بهم؛ (ب) تعزيز نقاط القوة والقدرات، وتنمية الفرد بالكامل، ورفاهية الطلاب "الموهوبين" و "العاديين" ؛ (ج) تطوير الكفاءة المهنية للعاملين في المدرسة في مجال تعليم الموهوبين؛ و (د) تعزيز قدرة الوالدين على تنشئة الأبناء الموهوبين.

وقد بني المشروع GIFT على عدة ركائز مفاهيمية وهي:

أولاً، بدلاً من الإعتماد على معدل الذكاء على أنه المعيار الوحيد لتحديد الموهبة وتحديد الطلاب الموهوبين، إعتمد المشروع مفهومًا متعدد الأبعاد للموهبة بناءً على نظرية غاردنر (2011) للذكاء المتعدد. وهكذا، إلى جانب الذكاء (IQ)، تم التركيز على أنواع أخرى من الذكاء، بما في ذلك الذكاء اللغوي، والذكاء الجسدي-الحركي، والذكاء الشخصي.

 

ثانيًا، تبنى المشروع مفهوم روينزولي (1978) المكون من ثلاث حلقات للموهبة، والذي يعتبر القدرة فوق المتوسطة والمستوى العالي من الإلتزام بالمهام والإبداع ثلاثة عناصر أساسية للموهبة. وقد تم تضمين هذه العناصر المكونة من ثلاث حلقات في برنامج الأهداف مع برامج الإثراء المدرسية، لكونه أحد نماذج البرامج المعتمدة على نطاق واسع لتعليم الموهوبين في جميع أنحاء العالم (Reis & Peters, 2021)، فهو بمثابة مرجع  إرشادي لرعاية الإبداع وتعزيز مشاركة الطلاب من خلال دمج المناهج وإثرائها وتمايزها وتسريعها في هذا المشروع.

 

ثالثًا، لإكتشاف الإمكانات والقدرات المختلفة للطلاب، قام المشروع أيضًا بتطوير قاعدة بيانات للبحث عن المواهب للطلاب في كل مدرسة بناءً على نموذج البحث عن المواهب (TSM) (Stanley & Benbow, 1986). من الناحية النظرية، TSM هو نموذج لتطوير المواهب بشكل عام مع التركيز على خيارات التسريع للموهوبين من ذوي القدرات العالية (Chan, 2015).

 

رابعًا، تعاون مشروع   (GIFT)مع المدارس التي سوف يطبق فيها المشروع وعددها 18 مدرسة،  وذلك لصياغة سياسة تنمية المواهب المدرسية وتعليم الموهوبين بما يتماشى مع مجالات إهتمامهم الرئيسة في خطط تطوير مدرستهم، حيث تم تطوير ثقافة مدرسية مواتية لتعليم الموهوبين وسياسات وممارسات مدرسية مناسبة لتسهيل تنفيذ الأهداف وتعليم الموهوبين في المدرسة (Education Bureau, 2014).

 

خامساً، تم إعتماد نهج البيئة المدرسية بما تشتمل عليه من مكونات بما في ذلك أصحاب المصلحة (Bronfenbrenner, 1994) والتركيز على أهمية التفاعل بين الأطفال وبيئاتهم وأثرها على نموهم وتطورهم. كما يقدم مشروع  (GIFT)خدمات لمختلف أصحاب المصلحة في المدرسة، بما في ذلك موظفي المدرسة والمعلمين وأولياء الأمور إلى جانب الطلاب.

 

وإستنادًا إلى الأسس المفاهيمية المذكورة أعلاه، طور مشروع GIFT نموذجًا لتعليم الموهوبين. ويتكون هذا النموذج من أربعة مستويات: المدرسة، والمعلم، والطالب، وولي الأمر مع ستة مكونات لخدمات وأحكام تعليم الموهوبين، بما في ذلك تطوير المناهج الدراسية، وتطوير الطلاب، والتطوير المدرسي، والتطوير المهني للمعلمين، والدعم المالي، وتمكين الآباء. 

أما بشأن المناهج الدراسية، فقد تم تطويرها وتنفيذها في مستويين (البرامج والأهداف). برنامج الأهداف عبارة عن برنامج تعليمي للصف بأكمله في المدرسة حيث تم دمج مهارات التفكير العليا والإبداع والمهارات الشخصية والإجتماعية في مناهج غنية وموسعة للفصول الدراسية العادية لجميع الطلاب. تشتمل الموضوعات في المراحل الإبتدائية على تعليم اللغة الصينية، وتعليم اللغة الإنجليزية، وتعليم الرياضيات والعلوم. ويتم التركيز في المدارس الثانوية على تعليم الرياضيات والعلوم. وفقًا لتصنيف بلوم (1956) للأهداف التعليمية، يمكن تصنيف أهداف التعلم إلى ستة مستويات بما في ذلك المعرفة والفهم والتطبيق والتحليل والتركيب والتقييم. ومن بين هذه المستويات الستة، كان التحليل والتركيب والتقييم مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بمهارات التفكير العليا. لذلك تم إنشاء مناهج ثرية من خلال دمج المهام التي تشجع الطلاب على التمييز بين الحقائق، ودمج العناصر المختلفة في بنية سليمة، والتوصل إلى أحكام حول أهمية المفاهيم.

 

تتكون البرامج الإثرائية لهذا المشروع من أنشطة تعليمية مختلفة لتشجيع الطلاب على التعبير عن أفكارهم الخاصة، مثل التفكير المتشعب والحساسية تجاه المشكلات. ويتم تعريف المهارات الشخصية والإجتماعية على أنها موقف الفرد تجاه الذات (الإدراك الذاتي) والآخرين (العلاقة مع الأشقاء والأقران والآباء والكبار) وقناعات الفرد وقيمه وإهتماماته بشأن المجتمع. ولتعزيز كفاءات الطلاب الشخصية والاجتماعية، إشتمل المشروع على إثراء المناهج الدراسية من خلال إدراج المزيد من أنشطة التعلم التعاوني، فمن خلال الدروس، يشجع المعلمون الطلاب على إحترام وتقدير آراء الآخرين، والتعاون بشكل ودي مع الآخرين أو تقديم المساعدة لهم، ومشاركة الإنجازات مع أقرانهم.

 

بعد تطوير المناهج الدراسية، تم تنفيذ المناهج الإثرائية من خلال إستخدام أنشطة الإثراء الخاصة بثلاثية الإثراء في نموذج الإثراء الشامل على مستوى المدرسة (رونزولي، 2003)، وإستراتيجيات التمايز مثل التجميع المرن ودمج المناهج الدراسية. بالإشارة إلى نموذج Triad، هناك ثلاثة أنواع من تجارب الإثراء للطلاب.  حيث تم تصميم  النوع الأول من الإثراء  لتعريض الطلاب لمجموعة متنوعة من التخصصات ولتحفيزهم لإستكشاف إهتمامات جديدة. يشمل الإثراء من النوع الثاني المواد والأساليب المصممة لتعزيز تنمية عمليات التفكير والمشاعر، وعادة ما يتم توفيرها لمجموعات من الطلاب في فصولهم الدراسية أو خارج الصف. يشمل الإثراء من النوع الثالث الطلاب الذين أصبحوا مهتمين بمتابعة مجال مختار ذاتيًا ومستعدون للإلتزام  بالوقت اللازم لإكتساب المحتوى المتقدم والتدريب العملي الذي يضطلعون فيه بدور المستكشف. ويمكن إكمال المنتجات بشكل فردي أو مجموعات صغيرة من الطلاب، وهي تستند دائمًا إلى إهتمامات الطلاب. يتضمن المشروع  إستخدام أنشطة التعلم الإستكشافية العامة (أي إثراء النوع الأول) لتعريف الطلاب بالموضوعات وتحفيز إهتمامهم بالتعلم. كما تم تقديم الأنشطة الجماعية (الإثراء النوع الثاني) للطلاب لتدريبهم على التفكير الإبداعي وحل المشكلات والتفكير النقدي، لتعلم مهارات كيفية التعلم مثلا، ومهارات إستخدام المواد المرجعية ذات المستوى المتقدم، ومهارات التواصل. يتم إستُخدم الإستكشاف والتحقق على نطاق صغير في مشكلات الحقيقية (الاثراء من النوع الثالث) في بعض الحالات المناسبة.

 

برنامج الأهداف هو برنامج  السحب، أي التجميع خارج الصف الدراسي، حيث يتم تصميم مناهج متباينة للطلاب ذوي القدرات العالية في مجالات مختلفة. يتم تحديد الطلاب ذوي الإمكانات والقدرات العالية بناءً على قواعد بيانات البحث عن المواهب في المدرسة ونتائج الإختبارات والأداء والجوائز في المسابقات، بالإضافة إلى ترشيحات المعلمين وأولياء الأمور والترشح الذاتي. يتم إختيار الطلاب للمشاركة في برامج السحب التي توفر محتويات تعليمية تسريعية للطلاب بصرف النظر عن دمج مهارات التفكير العليا والإبداع والكفاءة الشخصية والإجتماعية في المناهج الدراسية. قد يكون محتوى التعلم موضوعًا متقاطعًا مع مهام إستقصائية جماعية أو مستقلة. كما هو الحال مع برنامج الأهداف، يتم تنفيذ المنهج بإستخدام أنشطة الإثراء الخاصة بنموذج Triad في برنامج المستوى الثاني لتسهيل تنمية المهارات الشخصية والإجتماعية للطلاب الموهوبين، كما يتم دمج المهارات العاطفية والتعلم التعاوني في المناهج الدراسية. ويتم منح الطلاب فرصًا لتلقي القيم  والإستجابة لها وتقييمها وتنظيمها وإستيعابها من أجل تنمية المهارات العاطفية لديهم. كذلك تهدف برامج المستوى الثاني إلى تعزيز مهارات الطلاب ذوي القدرات العالية في القيادة والتواصل والتعاون. على سبيل المثال، تم تنفيذ برنامج "التقاط الصور والكتابة" لتعزيز مهارات الطلاب في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتعاون. يتم كذلك إستخدام برنامج "العلماء الصغار" لتعزيز مهارات الإكتشاف والتحقق لدى الطلاب. تضمنت برامج المستوى الثاني الأخرى كذلك "توسيع نظرية فيثاغورس" و "تجربة وهمية" و القراءة والكتابة الإبداعية" و " برمجة مايكرو:بت".

 

ومن أجل تطوير المناهج الدراسية، أجرى مشروع  GIFTزيارات مدرسية وساعد المدارس في مراجعة وتحسين سياسات تعليم الموهوبين لديهم. وقد ساعد هذا المشروع المدارس على تطوير قواعد بيانات للبحث عن المواهب في المدرسة، والتي تمكن المعلمين من فهم إمكانات طلابهم وإهتماماتهم وقدراتهم التعليمية بشكل أفضل. في قاعدة البيانات، أيضاً تم إنشاء ملف المواهب مع تقييم القدرة الأكاديمية، والإبداع، والتفكير المنطقي غير اللفظي، والذكاءات المتعددة، وخصائص الموهوبين، والوعي الذاتي، والصحة النفسية، والرضا عن الحياة لكل طالب. وبناءً على ذلك، يمكن للمدرسين تلبية الاحتياجات والخصائص المتنوعة للطلاب وتصميم مناهج إثرائية غنية وبرامج سحب متنوعة واستراتيجيات تدريس (التطوير المدرسي).

 

بالإضافة لذلك، وبهدف تعزيز معرفة المعلمين بإستراتيجيات تعليم الموهوبين، نظم مشروع GIFT محاضرات أكاديمية مختلفة وندوات متنوعة حول تعليم الموهوبين، وتطوير المناهج الدراسية، ورعاية الموهبة، والتنمية العاطفية للموهوبين، والتمايز، ومهارات البحث الإجرائي للمعلمين. كما سهل المشروع التبادل المهني المحلي والخارجي من خلال تنظيم جلسات المشاركة المهنية، والرحلات الدراسية الخارجية، والعروض التقديمية في المؤتمرات الأجنبية (التطوير المهني).

 

ولتوفير المزيد من الموارد والوقت والمساحة للمدارس لتطوير وتعزيز تعليم الموهوبين في المدرسة، تم تقديم الإعانات للمدارس . حيث مُنحت بعض المدارس مبلغ 1270  دولار هونج كونجي، لشراء معدات وموارد لتعليم الموهوبين في المدرسة،  بينما مُنحت بعض المدارس مبلغ 42 ألف دولار هونج كونجي، لتوظيف مدرس إضافي واحد لتقليل عبء العمل على فريق عمل تعليم الموهوبين بالمدرسة وبالتالي تفرغ الأعضاء لتنظيم وحضور أنشطة التطوير المهني .

 

علاوةً على الدعم المقدم للمدارس والمعلمين، فقد شدد مشروع GIFT على أهمية تمكين أولياء الأمور، والتعاون بين المنزل والمدرسة لتعزيز قدرات الطلاب الموهوبين حيث نظم المشروع ندوات حول الإحتياجات المعرفية والعاطفية للأطفال الموهوبين، ودور أولياء الأمور في رعاية الموهوبين، والتعاون بين المنزل والمدرسة في تعليم الموهوبين (تمكين أولياء الأمور).

 

يتبين من نموذج المشروع السابق أهمية بناء نظام تعليمي شامل في تعليم الموهوبين يحتوي العناصر الأساسية التالية (الأهداف، الإطار المفاهيمي، البرامج، التطبيق، وأخيراً التقييم) والذي يساعد المربين في إكتشاف الطلبة الموهوبين وتلبية إحتياجاتهم.

 

References

Bronfenbrenner, U. Ecological models of human development. In Readings on the Development of Children, 2nd ed.; Gauvain, M., Cole, M., Eds.; Freeman: New York, NY, USA, 1994; pp. 37–43.

 

Chan, D.W. Education for the gifted and talented. In International Encyclopedia of the Social and Behavioural Sciences, 2nd ed.; Wright, J.D., Ed.; Elsevier: Amsterdam, The Netherlands, 2015; Volume 7, pp. 158–164.

Education Bureau. Operation Guide on the Whole School Approach to Integrated Education. 2014. Available online: https://sense.edb.gov.hk/uploads/page/integrated-education/guidelines/ie_guide_en.pdf (accessed on 19 December 2022).

 

Gardner, H. Frames of Mind: The Theory of Multiple Intelligences; Basic Books: New York, NY, USA, 2011; pp. 1–496.

 

Reis, S.M.; Peters, P.M. Research on the schoolwide enrichment model: Four decades of insights, innovation, and evolution. Gift. Educ. Int. 2021, 37, 109–141

Renzulli, J.S. What makes giftedness? Re-examining a definition. Phi Delta Kappan 1978, 60, 180–184.

هل استفدت من المعلومات المقدمة في هذه الصفحة؟

0 من أصل 0 زوار أعجبوا بمحتوى الصفحة