نسخة تجريبية. للعودة إلى الموقع السابق، اضغط هنا
م. عبدالله إبراهيم الخطيب-رئيس قسم الهندسة الكيميائية
إبداع
21
كيف أحمي اختراعي؟ ولماذا لا يمكنني البدء بتسويق دوائي بعد الحصول على براءة اختراع؟
كان هذا أحد الاستفسارات التي تصلني بشكل يومي من مخترعين مبدعين في وطننا الحبيب، مما تتطلب مني التفكير جدياً في كتابة مقال يساعد على فهم الاختراعات الدوائية، كيف تحمى، ما هو الدواء القابل للحماية بموجب قانون براءات الاختراع، وكيف تصنع الأدوية حالياً من خلال الممارسات العالمية.
ما هو الدواء:
هو كل تركيبة صيدلانية تستعمل في تشخيص أو معالجة مرض، أو تخفف من أعراض معينة، أو تكون قادرة على الوقاية من مرض ما.
وتمر صناعة الدواء بعدة مراحل قبل تداول الدواء في الأسواق، وكل دواء لا بد أن يحصل على اعتراف من جهة حكومية في البلد المراد تسويق الدواء فيه، وهذا ما يعرف بـ"تسجيل الدواء في الجهة الحكومية"، وهنا في مملكتنا الحبيبة الجهة المسؤولة عن تسجيل الأدوية هي "هيئة الغذاء والدواء".
كل دواء أو عقار يتم اكتشافه من قبل المبتكرين، يتم التقدم أولاً لمكتب براءات الاختراع للحصول على براءة اختراع، وذلك لاحتكار الدواء ومنع الغير من إنتاجه، بعد ذلك يتم التقدم لهيئة الغذاء والدواء لتسجيل الدواء، والحصول على موافقة الدولة على دخول الدواء للسوق وتسويقه، بعد التأكد من أمان الدواء وفعاليته في علاج مرض ما.
المرحلة الأولى: اكتشاف الدواء
في هذه المرحلة يتطلب من المخترع أن يكون ملماً بعلوم متنوعة لاكتشاف دواء لمرض معين، من هذه العلوم علم الحرائك الدوائية، علم الكيمياء بأنواعها، علم الفيزياء، علم الأحياء الدقيقة (جراثيم، بكتيريا وفيروسات)، علم النبات، كذلك علم الإحصاء وغيرها من العلوم التي تتطلب اكتشاف الدواء. لنأخذ مثالاً لدواء معروف لعلاج الحروق قديماً، وهو نبات الصبار، وقد أثبتت الدراسات فعالية نبات الصبار في علاج الحروق، لذلك لا يمكن الحصول على براءة اختراع لعلاج الحروق مكون من نبات الصبار بالإضافة لشمع العسل، السبب لأن كليهما معروف قديماً قدرته في علاج الحروق، أيضاً نبات الصبار وشمع العسل يحتويان على إنزيمات ومركبات هي المسؤولة عن علاج الحروق، وهذا ما يعرف بالمركبات الفعّالة في العلاج. ولابتكار علاج جديد للحروق بنفس المكونات يتطلب استخلاص المركبات الفعّالة في نبات الصبار وشمع العسل.
وهناك صور لاختراع الدواء وتحويلها لبراءات اختراع، نذكر منها الصور التالية:
الصورة الأولى: اكتشاف دواء جديد
في هذا النوع يتطلب عمليات بحث وتقصٍّ للمرض لمعرفة الدواء المطلوب، أو دراسة تحليلية لفيروسٍ ما لتحديد اللقاح المطلوب للقضاء عليه، على سبيل المثال، تجرى -حالياً- دراسة تحليلية لفيروس الكورونا الجديد (Covid19) بهدف إنتاج لقاح مناسب لهذا الفيروس. كذلك من الأمثلة الدراسات التحليلية لمرض السرطان أو السكري، جميعها تحاول اكتشاف دواء جديد لهذه الأمراض. وجدير بالذكر أن اكتشاف دواء جديد لهذه الأمراض المستعصية أو المتشفية، يعد من الاختراعات التي لها مردود اقتصادي عالٍ جداً، بالإضافة إلى قيمتها العلمية.
الصورة الثانية: ابتكار طريقة صناعية جديدة لإنتاج دواء موجود
في هذا النوع يقدم المبتكرون طريقة صناعية جديدة لم تكن معروفة سابقاً لإنتاج دواء تم اكتشافه سابقاً، وفي هذه الحالة يحاول المبتكرون حماية طريقة التصنيع وليس الدواء، لأنه سبق حمايته من مبتكرين سابقين، والقوانين الدولية هنا تشترط على مبتكر طريقة التصنيع الجديدة أن يكون الدواء غير محمي ببراءة اختراع حتى يسمح له باستخدام طريقة التصنيع التي ابتكرها، واحتكار تلك الطريقة الجديدة ببراءة اختراع. أما إذا كان الدواء ما زال يتمتع بحماية، فإن المبتكر لطريقة التصنيع الجديدة لا يحق له استخدام طريقة الجديدة في التصنيع حتى تنقضي حماية الدواء المنتج.
الصورة الثالثة: ابتكار دواء موجود مسبقاً بمكونات جديدة
وفي هذه الطريقة يتم ابتكار الدواء المعروف مسبقاً، ولكن بمكونات تختلف عن الدواء السابق، بحيث تكون له فعالية الدواء الأصلي، وهذا ما يعرف بالأدوية الجنيسة، ويتم استخدام الهندسة العكسية لمعرفة مكونات الدواء الأصلي، ثم تقليده بمكونات جديدة مختلفة عن مكونات الدواء الأًصلي. وفي هذا النوع يحق لمبتكر الدواء الجنيس أن يتمتع بحماية دوائه الجديد، حتى وإن كان الدواء الأصلي ما زال يتمتع بالحماية.
الصورة الرابعة: تطبيق جديد لطرق صناعية معروفة لإنتاج دواء معروف مسبقاً
هنا يتم إنتاج ﻤﻨﺘﺞ ﺩﻭﺍﺌﻲ ﻤﻭﺠﻭﺩ ﻭﻗﺎﺌﻡ باستخدام ﻁﺭﻴﻘﺔ ﺼﻨﺎﻋﻴﺔ ﻤﻭﺠﻭﺩﺓ ﺍﺒﺘﺩﺍﺀً، ﻭلكن الاختراع ﻴﻨﺼﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﺴﺘﺨﺩﺍﻡ ﺘﻠﻙ الوسائل المعروفة -دون تعديل- للحصول ﻋﻠﻰ ﻤﻨﺘﺞ ﺩﻭﺍﺌﻲ ﻤﺨﺘﻠﻑ ﻋﻥ ذلك الذي ﻴﻨﺘﺞ ﺒﺫﺍﺕ الطريقة، ﺒﺤﻴﺙ ﻴﺸﻤل ذلك الاختراع الجدّة ﻓﻲ الطريقة والعمل، ﻭﻤﺜﺎل ذلك: الدواء المستعمل لقتل الميكروبات من أجل تحسين الإنتاج الحيواني.
مع ﻫﺫﺍ ﻓﺈﻥ البراءة ﻻ ﺘﻤﻨﻊ الغير ﻤﻥ ﺍﺴﺘﺨﺩﺍﻡ ﺫﺍﺕ الوسيلة ﻹﻨﺘﺎﺝ ﻤﻨﺘﺞ ﺠﺩﻴﺩ، ولكنها ﺘﻤﻨﻊ الغير ﻤﻥ ﺍﺴﺘﺨﺩﺍﻡ ﺘﻠﻙ الوسيلة لذات الغاية، وكذلك ﻤﻨﻊ الوصول إلى ﺫﺍﺕ المنتج، ولو ﺘﻡ ذلك ﻤﻥ ﺨﻼل ﺍﺴﺘﺨﺩﺍﻡ ﻭﺴﺎﺌل ﺠﺩﻴﺩﺓ.
الصورة الخامسة: ما يعرف باختراع دواء إضافي
وهنا يقوم المبتكر بإدخال تحسينات أو تعديلات على اختراع دوائي موجود سلفاً، بحيث يتم إدخال تلك التعديلات من قبل المخترع الأصلي أو من قبل الغير، والحماية القانونية هنا تسري على التحسين أو التعديل فحسب إلا في حال كان التعديل أو التحسين لا يمكن حمايته بشكل مستقل عن الدواء الأصلي، فيتم حماية الاختراع الدوائي والتحسينات معاً، فيصبح وكأنه دواء جديد. وفي مثل هذه الصور من الاختراعات تستغل شركات الدواء في تمديد فترة الحماية لدوائها عند قرب انتهاء فترة الحماية لمنتجها، تقوم بعمل تحسينات أو تعديلات على الاختراع الدوائي بغية الانفراد بالحقوق الاحتكارية على المنتج لمدة زمنية أطول.
كل هذه الصور الخمس أعلاه عبارة عن صور لبراءات الاختراع الدوائية، والتي تمد الحماية فيها إلى 20 عاماً من تاريخ تسجيل البراءة لدى مكتب براءات الاختراع. ويحق لمالك البراءة احتكار الدواء، ومنع الغير من إنتاج أو بيع أو استيراد الدواء إلا بإذن مالك البراءة. إلا في حالات استثنائية تقدرها الدول كتفشي مرض ما، أن تسقط ذلك الاحتكار للدواء المعالج، وتسمح للغير بإنتاج الدواء المعالج للمرض المتفشي، وفي ذلك حفظ لحقوق الإنسان وحفظ لسلامته.
بعد هذه المرحلة وبعد حفظ حقوق الملكية الفكرية للمخترع للدواء، تأتي مرحلة تسجيل الدواء المبتكر في جهة حكومية، وهي هيئة الغذاء والدواء، والتي تتطلب أن يكون الدواء أمن الاستخدام للإنسان، كما تتطلب أن يكون الدواء فعالاً لعلاج المرض. وفي هذه المرحلة تتطلب دراسات سريرية للدواء، والتي غالباً ما تأخذ وقتاً ليس بالقصير للتأكد من سلامة الدواء وفعاليته، وهي كالتالي:
المرحلة الثانية: مرحلة الأمان في الدواء
وهنا يتم تجربة الدواء على الحيوانات التي تتشابه في تركيبها مع جسم الإنسان، وغالباً ما تكون فئران التجارب. الهدف في هذه المرحلة التأكد من سلامة الدواء فيما لو تم تجربته على الإنسان.
المرحلة الثالثة: المرحلة السريرية
وفيها يتم تجربة الدواء على عدد معين من المتطوعين (20 إلى 50)، بحيث يكون المتطوعون أصحاب مرض أو أصحاء، وتهدف التجارب السريرية في هذه المرحلة إلى معرفة مدى تأثير الدواء على الجسم، وكذلك مدى تقبل الجسم للدواء.
المرحلة الرابعة: تجربة الدواء على عدد كبير من البشر
في هذه المرحلة يتم تجربة الدواء على عدد أكبر من البشر (20 إلى 300)، وهنا يتم دراسة كيفية عمل الدواء في الجسم، وأيضاً للتأكد من سلامة الدواء على الإنسان. وبعد هذه المرحلة يتم أيضاً تكرار تجربة الدواء على عدد أكبر من البشر (300 إلى 3000)، والهدف من هذه التجارب، التأكد من فعالية الدواء بالمقارنة بالأدوية الأخرى.
المرحلة الخامسة: تتم بعد تسجيل الدواء ودخوله السوق
في هذه المرحلة يتم مراقبة الدواء وتأثيراته الجانبية على مستخدمي الدواء بعد فترة من الاستخدام. وجميع نتائج التجارب السريرية ونتائج الآثار الجانبية للدواء، بالإضافة إلى الجرعات، وطريقة استخدام الدواء نجدها مكتوبة ومطبوعة على ورقة بيانات الدواء المحفوظة في علب الدواء، والمكتوبة غالباً بعدة لغات.
هل استفدت من المعلومات المقدمة في هذه الصفحة؟
زوار أعجبوا بمحتوى الصفحة