التوجيه والإرشاد في برامج الموهوبين

76567587988

موهبة

الموهبة

83

​​رعاية الطلبة الموهوبين تتطلب خطة بعيدة المدى تبدأ من مرحلة الكشف والتعرف على الموهوبين وتنتهي بمرحلة التمكين من خلال الإستفادة من قدراتهم لصالح المجتمع وإزدهاره. ويتطلب خلال تلك الرحلة توفير خدمات التوجيه والإرشاد بمختلف فئاته والتي تشمل النفسي والإجتماعي والأكاديمي والمهني. ويمكن تعريف التوجيه والإرشاد بأنه مجموعة الخدمات التربوية والنفسية والمهنية التي تقدم للفرد ليتمكن من التخطيط لمستقبل حياته، وفقا لإمكاناته، بأسلوب يشبع حاجاته ويلبي رغباته، ويحقق ذاته (أبو غزالة، 1985). كما يعرف التوجيه بأنه "مجموع الخدمات التي تهدف إلى مساعدة الفرد على فهم نفسه، وفهم مشكلاته، وإستغلال إمكاناته الذاتية وإمكانات محيطه لتحديد أهداف واقعية تتفق مع تلك الإمكانيات، ليبلغ أقصى نمو تسمح به قدراته (عبدالهادي والعزة، 1999، ص 14). ولابد من إيضاح الفرق بين التوجيه والإرشاد، حيث أن التوجيه أعم وأشمل من الإرشاد، كما أن التوجيه يسبق عملية الإرشاد ويمهد لها، بينما يأتي الإرشاد بعد التوجيه.

ومن خلال الدراسات العلمية في مجال الموهوبين (Olszewski-kubilius & Thomson, 2015; Neihart, 1999, 2012; Cross, 2012; Rimm, 2003 )، أشار المختصون إلى أن الطلبة الموهوبين يواجهون تحديات نفسية وإجتماعية وأكاديمية ومهنية عديدة حسب المرحلة العمرية والخلفية الثقافية والتعليمية للطالب. ولعل أبرز التحديات التي تواجه الطلبة الموهوبين، هي: الشد الانفعالي، وفرط الإستثارة، والعزلة الإجتماعية عن الأقران، والقلق، والتوقعات العالية من أولياء الأمور والمعلمين، والرفض من قبل الأقران، والإكتئاب، والكمالية، والعنف، والتنمر، وتدني الأداء الدراسي المرتبط بنقص الدافعية، وقلق الاختبارات، وضعف التكيف مع بيئة المدرسة، وصعوبة تحديد المجال المهني المناسب حسب الميول والقدرات. وقد ينتج عن تلك التحديات حين تجاهلها أو عدم تقديم التوجيه والإرشاد المناسب تدهور في الصحة العضوية والنفسية والإجتماعية للطالب، ما ينعكس سلباً على المجتمع كله في المستقبل (الجغيمان، 2019).

لماذا يعد التوجيه والإرشاد ذو أهمية في برامج الموهوبين

ينبغي على مخططي برامج الموهوبين النظر إلى أن خدمات التوجيه والإرشاد عامل أساسي في برامجهم وليس عنصر ثانوي يمكن الإستغناء عنه.  ويمكن القول بأن توفير خدمات التوجيه والإرشاد للطلبة الموهوبين ذو أهمية لأسباب عديدة (Olszewski-kubilius & Thomson, 2015; الجغيمان، 2019 ;Greene, 2005; Sparfeldt, 2007; Neihart, 1999, 2012)، ومنها:

 

 

- يساهم وجود التوجيه والإرشاد في برامج الموهوبين على تنمية مواهب الطلبة وبناء الثقة بالنفس وإدارة التحديات الإجتماعية والعاطفية التي تنشأ من تصنيفهم كطلبة موهوبين.

- يساهم وجود مختصين في التوجيه والإرشاد في برامج الموهوبين على مساعدة الطلبة الموهوبين على تحديد نقاط القوة والضعف لديهم، ووضع أهداف واقعية، ووضع إستراتيجيات لتحقيق تلك الأهداف.

- يساهم وجود مختصين في التوجيه والإرشاد على مساعدة الطلبة الموهوبين على إستكشاف إهتماماتهم وإيجاد طرق لتنميتها.

- يساهم وجود مختصين في التوجيه والإرشاد على مساعدة الطلبة على تنمية الشعور بالإنتماء والتواصل مع أقرانهم بطريقة إيجابية.

- يساعد توفير خدمات التوجيه والإرشاد إلى مساعدة الطلبة الموهوبين إلى التعرف على المجال المهني الأكثر مناسبة لهم.

- تكمن أهمية وجود خدمات التوجيه الارشاد، أيضاً، إلى مساعدة أولياء الأمور ومعلمين الطلبة الموهوبين إلى التعرف على أبرز التحديات النفسية والإجتماعية والأكاديمية والمهنية التي قد تعترض رحلة الطلبة الموهوبين خلال مشاركتهم في البرامج التي تتناسب مع قدراتهم وإمكانياتهم. فعلى سبيل المثال، تعد التوقعات العالية والمبالغ فيها من قبل الوالدين أو المعلمين تجاه إنجازات الطلبة الموهوبين عامل سلبي قد يؤدي إلى خلق تحديات نفسية للطلبة الموهوبين.

- تعد خدمات الإرشاد والتوجيه المهني من ضمن الأركان الرئيسة التي وجدت بسببها برامج الموهوبين. حيث أن برامج الموهوبين يفترض أن تبنى وفق قدرات وإهتمامات الطلبة الموهوبين بحيث تساعدهم في التعرف على المجال المهني المستقبلي الأكثر ملائمة لتلك القدرات وتساهم على تلبية تلك الإهتمامات.

- يساعد الإرشاد والتوجيه المهني على التخطيط طويل الأجل للبرامج والخدمات التي تقدم للطلبة الموهوبين بغية تلبية حاجاتهم وتنمية قدراتهم بحيث لا تكون البرامج التي تقدم لهم على شكل برامج قصيرة وغير مترابطة.

 

الفئات ذات العلاقة بالتوجيه والارشاد

وعلى الرغم من أن الإرشاد والتوجيه النفسي والإجتماعي والمهني ذو أهمية عالية ويستهدف الطلبة الموهوبين في المقام الأول، إلا أنه لابد من الأخذ في الاعتبار أن يتضمن برنامج التوجيه والإرشاد محيط أكبر ليشمل الأسرة، الأقران، والمدرسة (الجغيمان، 2019). وتلعب الأسرة دور مهم في الإرشاد النفسي والاجتماعي والتوجيه المهني للطلبة الموهوبين حيث أن الأسرة هي البيئة التي يمضي فيها الطالب غالبية وقته، لذا تأتي أهمية تثقيف الوالدين عن خصائص الموهوبين والتحديات النفسية والاجتماعية التي قد تعترضهم بعد تصنيفهم كطلبة موهوبين من خلال الأدوات العلمية المعتمدة من قبل الجهات المعنية. كما ينصح الوالدين بالعمل مع مصممي برامج الموهوبين لرسم أهداف قصيرة وبعيدة المدى لأبنائهم لتطوير مواهبهم.  ويحتاج الوالدان أيضاً إلى تحديد الأهداف والتوقعات الواقعية وتحقيق التوزان بين مقدار التحدي ومقدار الدعم المناسب. ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى سلوك سلبي قد يمارسه بعض أولياء الأمور تجاه الطلبة الموهوبين، وهو الضغط السلبي من خلال توجيه الابن إلى مسار أو مجال مهني يعتقد ولي الأمر على أنه الأصلح لابنه دون مراعاة قدرات واهتمامات الابن. مثال، دفع الابن إلى تخصص بعينه أو رفض أن يمارس الابن ميوله في مجال ما في سن مبكرة أو إجبار الابن على المكوث في ممارسة نشاط ما لمدة طويلة بدون أن يشعر الابن بميول تجاه ذلك النشاط.

كما أن للمدرسة دور في الإرشاد والتوجيه النفسي والإجتماعي والمهني للطلبة الموهوبين كون هؤلاء الطلبة يمضون ساعات يومية داخل محيط المدرسة مما يحتم على الطاقم التعليمي فيها تقديم الدعم والمساندة للطلبة الموهوبين. ويمكن للمرشد الطلابي بالتعاون مع معلمي الطلبة الموهوبين  رسم خطة طويلة المدى لتقديم الدعم والمساندة لهؤلاء الطلبة الموهوبين في جوانب عديدة لضمان النمو الأكاديمي والنفسي والاجتماعي والمهني ومنها (أ) تفريد التعليم والتركيز على نقاط التميز لدى الطلبة الموهوبين، (ب) مساعدة الطلبة الموهوبين على تحديد إهتماماتهم وميولهم وخاصة في المراحل العمرية المبكرة، (ج) توفير الدعم النفسي من خلال عدة طرق منها إظهار الاهتمام والتشجيع، (د) تعزيز عادات العمل وتعليم مهارات التعلم، و (هـ) محاولة مساعدة الطلبة الموهوبين بربطهم بخبراء في مجالات إهتماماتهم. كما يلعب المرشد في المدرسة أهمية كبيرة في تطوير المواهب من خلال التالي (أ) تقييم احتياجات الطلبة الموهوبين، (ب) تخطيط برامج وخدمات الموهوبين بالتعاون مع معلم الموهوبين، إن وجد، (ج) المتابعة والدعم والتقويم، (دـ) مساعدة الطالب وولي الأمر على التخطيط المهني ومعرفة المتطلبات التي يحتاجها الطالب للدخول في الجامعة والدرجات التي تتطلبها الجامعة ومعايير القبول، (هـ) تثقيف أولياء الأمور والمعلمين بالخصائص النفسية والإجتماعية لأبنائهم، (و) المساهمة في ربط الطلبة الموهوبين مع بعض، من خلال شبكة تعارف تساهم في ربط الطالب الموهوب بأمثاله المماثلين في الميول والقدرات من داخل وخارج المدرسة.

كما أن للأقران دور معتبر في التوجيه والإرشاد النفسي والإجتماعي والمهني ويجب أخذه بعين الاعتبار. حيث ينصح أولياء الأمور والمعلمين بمحاولة مساعدة الطلبة الموهوبين في تكوين شبكة تعارف فيما بينهم وخاصة الطلبة الذين لديهم إهتمامات مشتركة وميول متشابهة، مع الأخذ في الإعتبار العمر العقلي وهذا لا يغفل أن الطلبة الموهوبين بحاجة إلى تكوين علاقات إجتماعية وصداقات مع أقرانهم المتشابهين معهم في العمر الزمني، كون الطلبة الموهوبين يحتاجون إلى التفاعل مع فئات المجتمع وتطوير المهارات الإجتماعية التي تساهم في تعزيز الصحة النفسية. ولعل أبرز التحديات التي تواجه الطلبة الموهوبين في هذا الشأن ما يلي:

 

 

- التعليقات السلبية من قبل الأقران تجاه الطلبة الموهوبين والتي قد تكون نابعة من جانب الغيرة كون قدراتهم عالية وخاصة في المجال الأكاديمي أو التميز في المشاريع العلمية. ويمكن أن تساهم هذه التعليقات في تردد الطلبة الموهوبين من إظهار تميزهم أو تقودهم إلى نوع من العزلة الاجتماعية أو الإنسحاب مما يؤثر لاحقاً على بنائهم النفسي والإجتماعي، ولمواجهة مثل هذه التحديات ينصح أولياء الأمور بتشجيع أبنائهم بتكوين صداقات مع أقرانهم المتشابهين معهم في الميول والقدرات والعمر العقلي.

 

 

- قد يتجه الطلبة الموهوبين إلى تكوين صداقات مع فئات عمرية أعلى من عمرهم الزمني، كونهم يجدون الفرصة في تلبية إهتماماتهم وميولهم أكثر من أقرانهم المماثلين لهم في العمر الزمني. لذا يجب على أولياء الأمور الإنتباه إلى هذا الجانب كونه مؤشر قد يدل على قدرة عقلية لدى الابن. كما أن ولي الأمر يجب أن يضع في عين الإعتبار إلى أن الابن بحاجة إلى تكوين صداقات مع أصدقاء يماثلونه في العمر الزمني خاصة وأن الطلبة الموهوبين، والأطفال منهم، بحاجة إلى اللعب والاستمتاع بمرحلة الطفولة.

 

   لا يوجد أدنى شك في أهمية التوجيه والإرشاد للطلبة الموهوبين، لأنه يساهم في تنمية مواهبهم، وبناء الثقة بالنفس. كما أنه يساعد على إكتشاف إهتماماتهم، وإيجاد طرق لتنميتها. ويساعد أيضاً أولياء الأمور والمعلمين إلى التعرف على أبرز التحديات الاجتماعية والأكاديمية والمهنية التي قد تعترض مسيرة الطلبة الموهوبين، ولذا فإنه لا غنى عن التوجيه والإرشاد في حياة الطلبة الموهوبين.

المراجع

الجغيمان، عبدالله. (2019). الدليل العملي في التخطيط للمسارات المهنية للطلبة ذوي الموهبة. قنديل للطباعة والنشر والتوزيع.

عبد الهادي، جودت والعزة، سعيد (1999). التوجيه المهني ونظرياته. عمان، الأردن: مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع.

أبو غزالة، هيفاء (1985). دليل المرشد التربوي. عمان.

Olszewski-Kubilius, P., & Thomson, D. (2015). Talent development as a framework for gifted education. Gifted Child Today38(1), 49-59.

Greene, M. J. (2005). Multipotentiality: Issues and considerations for career planning. Duke Gifted Letter, 6(1).

Sparfeldt, J. R. (2007). Vocational interests of gifted adolescents. Personality and Individual Differences, 42(6), 1011-1021.

Neihart, M. (1999). The impact of giftedness on psychological well‐being: What does the empirical literature say? Roeper review, 22(1), 10-17.

Neihart, M. (2012). Anxiety, depression, and resilience. Handbook for counselors serving students with gifts and talents, 615-630.

Cross, J. R. (2012). Peer relationships. In T. L. Cross & J. R. Cross (Eds.). Handbook for counselors serving students with gifts and talents: Development, relationships, school issues, and counseling needs/interventions. (pp. 409-425). Prufrock Press.

Rimm, S. B. (2003). Underachievement: A national epidemic. Handbook of gifted education, 3, 424-443.​

هل استفدت من المعلومات المقدمة في هذه الصفحة؟

0 من أصل 0 زوار أعجبوا بمحتوى الصفحة