هل يموت الإبداع فعلاً؟

No Image

آسية بنت سعود آل رشود

الموهبة

14

قبل الإجابة، توقف قليلاً.. وفكِّر: لماذا يفوق عدد المبدعين من الصغار نظراؤهم من الناضجين؟ 
إن الإجابة على هذا السؤال تتطلب جرأة في الاعتراف بأن إبداع الأطفال قد يموت بيدِ أبائهم أو معلميهم.. بالتأكيد ذلك لن يكونَ متعمداً، ولا حتى مباشراً، وإنما -كالعادة في مثل هذه القضايا- يموت الإبداع نتيجة ممارسات تربويةٍ اجتهاديةٍ خاطئة، تناقلتها الأجيال دونَ وعيٍ بتبعاتِ هذه الممارسات على مستوى تفكير وسلوك الطفل، ومن هذه الممارسات ما يلي:
1- المراقبة المستمرة:
 فحين تراقب طفلك بصورة مُبالِغ فيها، وتُشعِره بأنك معهُ، تراه وتسمعه وتتابِعه في كل ما يقوم به، لن يتجرأ في أن يعبر عن رأيه، أو أن يبوح بأفكاره الجديدة، سيخاف أن يكون مختلفاً، لن يفتح الصندوق، وسيخشى دوماً أن يخوض مخاطرةً ما. 
2- التقييم الدائم:
متى ما جعلت طفلك قلقاً بشأنِ مستواه، وحسَبت له العلامات، وجمعتَ له التقارير، فأنت –ودون أن تشعر- تضع لأدائه إطاراً تجبره أن يبقى داخله، فيُفكر بنمطية، ويعمل بتقليدية، حرصاً على مستوى الأداء، لا بحثاً عن متعة التعلم ولذة الاكتشاف، فيموت الإبداع، وينضم الطفل إلى قائمة الأطفال العاديين.
3- المكافآت الكثيرة: 
لا شك أن المكافآت مهمة كوسيلةٍ للتحفيز، وزيادة الدافعية، ولكن ينبغي أن تكون مفاجِئه وحِينيَّة، أي أن لا تُقَدَّم بكثرة، وإنما من حينٍ إلى آخر.
فكر فيها؛ لو كانَ ابنك سينتظر دائماً في نهاية حلِّه لواجبه المدرسي مالاً تقدمه له، وإذا كان سيتوقع "لعبة جديدةً" سيجدها فوق سريره بعد نجاحه في حل النشاط الموكَّل إليه، فلن يشعر بمتعة النشاط، ولن يحرص أن يبدع فيه، أو أن يفكر فيه أكثر من القدر الذي سيؤهله للحصول على المكافأة أياً كانت.
ولهذا، لم لا نجعل التكليف بالنشاط هو المكافأة؟ لم لا نقول: "أنت رائع اليوم، وتشع بالحيوية، لذلك سأكافئك بهذا النشاط، فاستمتع وأبدع فيه قدر ما تستطيع".
4- المنافسة الشديدة: 
من الجيد أن نضع الطفل في ميدان منافسة؛ فذلك من شأنهِ أن يملؤه بالحماس والإثارة، وأن يجعله يكتشف قدراته وإمكانياته، كما أن المنافسة تُساعِده على أن يركز على هدفٍ ما، وتُعلِّمه كيف يتعامل مع الخسارة، وكيف يُنمِّي مهاراته، وكيف يعمل ضمن مجموعة. 
ولكن في المقابل، فإن إشراك الطفل بصورة دائمة في المنافسات، والمبالغة في تقدير الفائز على حساب الخاسر، قد يجعله يحرص على الفوز لمجرد الفوز، قد يُفقدِه ثقته في نفسه، وقد يقلل من تقديرهِ لذاته، وقد يثير فيه العدوانية، والأهم أنه سيفقد المتعة، وسيكون تحت الضغط دائماً. 
5- السيطرة المبالغة:
ببساطة؛ حين يتم إخبار الطفل بشكل دائم كيف يقوم بالأشياء، ومتى، وأين.. فإنه سيفقد الثقة بنفسه، وسيشعر دائماً بأنه قد يخطئ إذا لم يتلقَّ توجيهاً من أحد، وأن أي عملية اكتشاف جديدة هي مضيعة للوقت، فهو لا يعرف، ولن ينجح ما لم يستعين بأحدٍ ما.
6- الخيارات الإجبارية: 
يعد تحديد النشاط الذي يجب أن يقوم به الطفل، نوعاً من الخيارات الإجبارية مثلها مثل الواجبات المدرسية، مما يجعل الطفل يشعر بالملل أثناء حلها، بل قد يتهرب منها. لذا يُفضَّل أن يؤخذ رأيهم بعين الاعتبار حول طبيعة الأنشطة التي تثير فضولهم ويرغبون في القيام بها أو حلها.. وبالتالي سيشعرون بالمتعة وسيكون لحل النشاط طعماً آخر.. ومن يدري..قد تكون تلك بداية طريقهم إلى اكتشافٍ أو إنتاج إبداعي مميز.
وأيضاً-في مرحلة أكبر؛
حاول أن لا تضغط على ابنك ليكونَ الرجل الذي لم تَكُنه، وتسعى إلى أن تحقق طموحك من خلاله فيكون طبيباً كما كنتَ تريد ذلك، أو طياراً كما تحلم والدته دائماً، فمثل هذه التصرفات من شأنها أن ترهق الابن، وتضغط عليه، وتدفن إبداعه خاصة إذا كان التخصص أو المجال لا يناسب ميوله ولا يثير اهتمامه.
7- التوقعات العالية غير المعقولة:
 إن التوقعات العالية من الطفل قد لا تفقده المتعة فحسب، بل قد تُحبِط موهبته، لأنه سوف يشعر بعبئِها طوال الوقت، وقد تُحبِطه.. فهي وبطريقة غير مباشرة تحمل له رسالة بأنه ليس موهوب، وأنه أقل من مستوى التوقعات.
لذا ورأفةً بطفلك، وحفاظاً على موهبته، تقبله كما هوَ، وشجعه على أن يعمل أفضل ما لديه، لا أن يحصل على أفضل درجة أو أن يكون مثل "أحمد ابن الجيران". 
ومن ذلك، نخلص إلى منطق في التربية مفادهُ: إذا كانَ بإمكانك أن تنمي قدرات طفلك الإبداعية فثق تماماً، أنَّ بإمكانك أيضاً أن تحبِطها دون أن تشعر، لذا كن واعياً بتصرفاتك، واحرص دائماً على أن تدرسها جيداً، بعيداً عن الاجتهادية والتصرفات المباشرة غير المدروسة، فروح الإبداع كالزهرة تماماً، تحتاج إلى رعاية وعناية، وبدونها قد تذبل وقد تموت. 
وقفة للتفكير:
بعد قراءة الأسباب السبعة أعلاه؛ توقف مع نفسك قليلاً، وراجع تصرفاتك، وأسلوب تعاملك مع أطفالك أو طلابك، ثم احكم عليها، وحاول معالجتها بأسلوبٍ آخر أكثرَ إيجابية وفاعلية، والأهم؛ أن يكون أكثرَ تحفيزاً للإبداع. 

هل استفدت من المعلومات المقدمة في هذه الصفحة؟

0 من أصل 0 زوار أعجبوا بمحتوى الصفحة